حضرت فيلم لينكولن
و كان فيلم طويل و نوعا ما ممل بالنسبة لمن لا يهتم بالموضوع
فلمن كان متوقع ان يشاهد فيلم عن قصة حياة لينكولن
و تفاصيل الحرب الاهلية فقد خاب ظنه
الفيلم بدا و كأنه أقرب لبرنامج توثيقي منه لفيلم درامي
باستثناء الاداء الرائع لاحد الممثلين المفضلين لدي
دانييل دي لويس
الفيلم يتحدث عن مرحلة معينة و مهمة في حكم ابراهام لينكولن
في سنة ١٨٦٥
هذه المرحلة كانت عند قرب نهاية الحرب الاهلية
و السباق التشريعي الكبير الذي قاده لينكولن
للحصول علي موافقة الكونغرس لتعديل المادة ١٣
من الدستور الامريكي
و كان الهدف من هذا التعديل هو تحرير العبيد
و مساواتهم ببقية المواطنين أمام القانون
و استطاع لينكولن و مؤيديه من تمرير هذا التعديل
بعد أن تمكنوا و بدهاء شديد من شراء موافقة بعض
أعضاء الكونغرس غير المتشددين
و لقد اضطر المؤيدون للتعديل أن يكتموا تأييدهم للمساواة الانسانية
و يكتفوا بطلب المساواة القانونية فقط حتى يمرر القانون
و لا تشتد المعارضة
اما الغاء العنصرية و المساواة فلم تأت
الا بعد قرابة مئة سنة
الا بعد قرابة مئة سنة
من اقرار هذا التعديل مع ثورة مارتن لوثر كنغ
و أعتقد توقيت مثل هذا الفيلم جاء
بسبب وجود الرئيس اوباما في البيت الابيض
بعد خمسين سنة من حركة مارتن لوثر كنغ
***
أما ما شد انتباهي و جعلني اكتب هذا المقال
هو ما قيل اثناء المناظرات التي تمت بين
الموافقين و المعترضين على قانون تحرير العبيد
فمن النقاط التي كانت تثير مخاوف المعترضين
هو توقعاتهم بما سيأتي بعد اقرار هذا التعديل
فقد قال أحدهم
" و ماذا بعد تحريرهم و مساواتهم بنا أمام القانون؟
هل ستطالبون بمساواتهم بنا انسانيا و عرقيا ؟؟ "
و قال الثاني مستنكرا
" و قد يأتي اليوم الذي تسمحون لهم بالتصويت ايضا ؟؟"
ليرد اخر مستهزئا
" و ماذا بعد ذلك ؟؟ السماح للنساء بالتصويت ؟؟ "
و هنا ضجت القاعة باصوات الاحتجاج و الاستياء
****
توقفت عند هذا المشهد
لنشاهد لأي درجة تتحول الاعراف الاجتماعية الدخيلة على الانسانية
لعقيدة صلبة مُسلّم بها لا يجوز الخروج عليها
بل حتى مجرد التفكير بتغييرها يعتبر من عمل الشيطان
لأي درجة تتحول المصالح الشخصية
التي تبنى على حساب المساواة الانسانية
تتحول الى تقليد اجتماعي متوارث راسخ لا يجب زعزعته
هذا ما يحدث عندما نقدس التاريخ و الموروث
عندما نكرر جملة وجدنا اباءنا و أجدادنا هكذا يفعلون
عندما نلغي العقل و التأمل
و نسير خلف القال و القيل
لكن في كل زمان يظهر لنا بعض العقلاء
ليحاولوا تعديل المسار
ليخرجوا بالناس من الظلمات الى النور
و يسبحوا ضد التيار العنيف
على مر العصور نجد معارك التنوير و التغيير مستمرة
ضد ظلام الراسخ و المتوارث
و بسبب هذه المعارك الفكرية
يتم تنقية المجتمعات بين فترة و اخرى
من شوائب المصالح الدنيوية الطاغية
لكي نصل الى اصول الايمان النقي
التي تستحق الرسوخ
هذه الاصول هي
مكارم الاخلاق